تركيا مفتاح حل أزمة الغذاء العالمية بجهودها الدبلوماسية

0
424

قادت العمليّة العسكرية الروسية ضد أوكرانيا ابتداء من 24 فبراير/شباط الماضي لتداعيات كبيرة تجاوزت في تأثيرها الإقليم لتصل إلى بلدان بعيدة عن قلب الأزمة.

-اعلان-



ورغم استضافة تركيا محادثات السلام حفاظاً على الحياد منذ بداية الأزمة إلا أن عوامل مثل الخلافات العميقة بين البلدين ودخول الطرف الغربي على خط الأزمة أثّرت سلباً على هذه المحادثات وتسبّبت في استمرار الحرب التي طالت.

البروفيسور هلال ال وير المقرّرة الخاصة السابقة للأمم المتحدة عضو اللجنة العالمية للأمن الغذائي والدكتورة بينار أق بينار مديرة برنامج بحوث العمل في جامعة صبانجي التركية يتناولان بالتحليل دور الوساطة التركية ونجاحها في منع تفاقم أزمة الغذاء العالميّة.

تسبّب انتشار فيروس كورونا حول العالم وتحارب أوكرانيا وروسيا في بروز مشكلة في الصادرات العالمية للحبوب وزيادة أسعار القمح مرتين أو ثلاث منذ يناير/ كانون الأول 2022.

-اعلان-



أدى هذا الوضع إلى حالة من الذعر في جميع أنحاء العالم خاصة في دول مثل مصر ولبنان حيث يعتمد استهلاك القمح بشكل كبير على الواردات بجانب الدول الأفريقية التي تفتقر للأمن الغذائي وتعتمد على المساعدات الخارجيّة.

وقبل الحرب الروسية الأوكرانية تضافرت أسباب أخرى أبرزها التغير المناخي والجفاف والتقلّبات الاقتصادية لتؤدي إلى أزمة جوع وصلت أبعاداً أكثر خطورة مع تأثير الوباء.

تسبّبت الحرب في أوكرانيا بزيادة كبيرة لأسعار القمح وأسعار منتجات أخرى أبرزها الشعير والشوفان والذرة وعبّاد الشمس والأسمدة.

وكان الحظ السيئ حليفاً للدول ذات الدخل المنخفض أو التبعيّة الأجنبية في مجال الغذاء حيث أصبحت أكثر الدول تأثّراً بهذه الأزمة.

-اعلان-



وتشير التقديرات لانخفاض خطير في الإنتاج الزراعي الأوكراني العام المقبل بسبب الحرب المستمرة وعدم قدرة المزارعين على العمل في موسمي البذر والحصاد المقبلين في ظل أجواء الصراع.

بالإضافة إلى ذلك تُعد روسيا منتجاً مهماً للغاية للأسمدة والمواد الخام إلا أن العقوبات المفروضة على هذا البلد تتسبّب في ارتفاع أسعار العديد من المحاصيل من علف الحيوانات إلى زيت النخيل في جميع أنحاء العالم.

دفع هذا الوضع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للإعلان أن العالم قد دخل بالفعل في أزمة غذاء سبّبتها التطوّرات آنفة الذكر.

كما حذّر غوتيريش زعماء العالم من أن أزمة الغذاء في العالم سوف تمتد لتصل إلى قطاعات التمويل والطاقة وسوف تتحوّل إلى “عاصفة تقض مضجع العالم بأسره”.

استضافت الأمم المتحدة خلال الأشهر الأخيرة اجتماعات استثنائية حول هذه القضية تناولت فيها أثر شح الغذاء والخوف من تفاقم أزمات المجاعة ودور مجموعة السبع ومجموعة العشرين والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في التخلّص من هذه الأزمات.

-اعلان-



ودعت الأمم المتحدة كذلك زعماء العالم للعمل والتنسيق والتضامن وأهابت البلدان المتقدمة بمساعدة البلدان النامية في هذه الأوقات الصعبة ورفع قيود التصدير والتخلّي عن السياسات التي ستؤثّر سلباً على التجارة الغذائية العالميّة وزيادة المساعدة الاجتماعية للفئات الضعيفة وتنويع الزراعة ودعم الإنتاج المحلّي.

وخلال الحرب الروسية على أوكرانيا أصبح جلياً مدى أهميّة البحر الأسود في التجارة العالمية للغذاء كما ذكّرت هذه الحرب بأن تركيا دولة رئيسية في حوض البحر الأسود كما أن مضائقها (البوسفور – الدردنيل) لا تزال تحافظ على أهمّيتها الجيوسياسية.

أدرك العالم أهميّة البحر الأسود والمضائق التركية في تجارة الحبوب العالمية لأول مرّة في التاريخ عندما دخلت الإمبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى عام 1914 وأغلقت مضيق الدردنيل وكان وقتها لا بد من توقّف صادرات الحبوب الروسية إلى أوروبا.

-اعلان-



بعدها أعيد فتح هذا الطريق باتفاقيات خاصة مع الدولة العثمانية وتكرّر هذا الوضع التاريخي مع الحرب الروسية الأوكرانية حيث اقترحت تركيا فتح ممر للحبوب في البحر الأسود لمنع وقوع خطر المجاعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والصحراء الكبرى.

تم التوقيع على أول اتفاقيّة تنظم حركة مرور الحبوب في البحر الأسود بوساطة تركية ومشاركة الأمين العام للأمم المتحدة بإسطنبول في 22 يوليو/ تموز 2022 تبعها إنشاء مركز تنسيق في ذات المدينة في 26 يوليو الماضي.

مكّنت الاتفاقية المذكورة وزيري الدفاع في روسيا وأوكرانيا من الجلوس إلى طاولة واحدة بعيداً عن أجواء الحرب كما حقّقت لتركيا نصراً دبلوماسياً مهماً في هذه الأزمة العالمية.

ورغم قيام روسيا بقصف ميناء أوديسا في اليوم السابق لتوقيع الاتفاقيّة أظهر الواقع مدى حاجة الأطراف إلى هذا الممر وأهميّة الجهود التركية في التخفيف من التوتّرات بما يضمن توقف الحرب الروسية الأوكرانية.

-اعلان-



استطاعت تركيا في السابق خلق موطئ قدم ونفوذ إقليمي في بلدان تميّزت بظروف صعبة مثل الصومال وأفغانستان.

كما طوّرت أنقرة باعتبارها جهة فاعلة مسؤولة وغير متحيّزة أنشطتها الدبلوماسية ومساعداتها الإنسانية في الوقت الذي وفّرت فيه دعماً عسكرياً لأوكرانيا عبر تزويد كييف بطائرات مسلّحة بدون طيار من طراز بيرقدار.

وبهذا المعنى نرى أن القدرات التي تميّزت بها الدبلوماسية التركية في استخدام عناصر القوّة الناعمة بطريقة أكثر توازناً مقارنة بالنهج الذي اتّبعته العديد من الدول معوّلة فيه على عناصر القوّة الصلبة والحلول الأمنيّة.

إن النجاحات الخارجية التي حققتها تركيا بما في ذلك التوقيع على اتفاقية إنشاء ممر الحبوب أعطت تركيا مزيداً من الظهور على الساحة الدولية ودوراً أكثر فعاليّة في الدبلوماسية العالمية.

-اعلان-



مع افتتاح ممر الحبوب سيكون بإمكان أوكرانيا نقل منتجاتها من الحبوب إلى البلدان المستوردة وكسب المزيد من القطع الأجنبي وتصدير حوالي 20 مليون طن من المنتجات (الحبوب) التي تم الاحتفاظ بها في المستودعات منذ بداية الحرب.

كما تتيح الاتفاقية لروسيا أيضاً فتح الباب للتخلّص من الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الدول الغربية عليها.

ورغم أن تنفيذ الاتفاقيّة بدأ بمغادرة سفينة محمّلة بالذرة ميناء أوديسا الأوكراني إلى لبنان اعتباراً من 2 أغسطس/ آب الجاري إلا أن الصعوبات في حركة النقل البحري لا تزال مستمرة بسبب الحرب المتواصلة.

وتفتح الاتفاقيّة الموقّعة بوساطة تركية المجال لمغادرة سفن الشحن التي ظلّت حبيسة ميناء أوديسا منذ بداية الحرب.

-اعلان-



ومع هذه التطوّرات الإيجابية تشدّد منظّمة الحركة البحريّة للمنظّمة البحريّة الدولية التابعة للأمم المتحدة على استحالة عودة حركة الملاحة البحريّة في المنطقة إلى طبيعتها ما لم يتم إرساء الأمن في حوض البحر الأسود لاسيما ما يتعلّق بقضية الألغام البحريّة الموجودة بالمنطقة.