“حديقة إفريقيا” في تونس.. “قصر” لوفيات المهاجرين

0
669

أقرب إلى القصر منها إلى المقبرة، وشُيِّدت بلمسات الفنان التشكيلي الجزائري رشيد القرييشي بمدينة جرجيس التونسية.

حيث بنى مقبرة لدفن جثث المهاجرين غير النظاميين الذين رماهم المتوسط على سواحل تونس الجنوبية بطريقة تضمن كرامتهم الإنسانية.

وتقع المقبرة التي تعرف بـ”حديقة إفريقيا” في نواحي مدينة جرجيس التونسية (جنوب شرق)، وبها 500 قبر مخصص لدفن المهاجرين غير النظاميين.

وبحسب القرييشي (في الستينات من عمره)، فإن “المقبرة بمثابة قصر في الدنيا يضمن للمهاجرين دفنهم بكرامة قبل القصر الآخر في الآخرة”.

-اعلان-



فكرة قد تبلورت منذ 2018

قال الفنان الجزائري إن “فكرة إنشاء المقبرة تبلورت منذ عام 2018 حين اطلعت ابنتي على تقرير إعلامي يتطرق للوضعية الصعبة التي يُدفن بها المهاجرون بمقبرة في جرجيس.

فاتصلت بي واقترحت علي تشييد مقبرة جديدة تضمن كرامتهم”.

وأضاف: “بدايةً لم أصدق وجود مقبرة للمهاجرين غير النظاميين وسط مصب للفضلات، فقررت التحول مع ابنتي إلى مدينة جرجيس، حيث شاهدت مشهداً مُروعاً”.

ومنذ سنوات، وبسبب عدم توفير السلطات المحلية في جرجيس مكاناً لدفن هؤلاء المهاجرين، تطوع المواطن التونسي شمس الدين مرزوق لدفن جثث المهاجرين في مقبرة “غرباء” بالمدينة، والتي تعاني من نقائص كبيرة.

ضماناً لكرامة المهاجرين

على مساحة 2500 متر مربع، أنشأ الفنان الجزائري المقبرة المسيجة بسور على كامل المساحة المقسمة بدورها إلى 8 أجزاء، ويحتوي كل جزء على عشرات المقابر.

وزينت الأزهار قبور المهاجرين، كما توجد لافتة على كل قبر تحمل اسم المتوفى إن تم التعرف عليه قبل الدفن، فضلاً عن جنسه وتاريخ العثور عليه.

ولضمان كرامة المهاجرين، شيد الفنان الجزائري مكاناً للصلاة والدعاء للمهاجرين من مختلف الأديان.

-اعلان-



وقال القريشي: “هذه المقبرة تضم جثث كل المهاجرين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو حتى بوذيين.

فالبعض من المهاجرين الذين تم العثور عليهم هم من بنغلادش مثلاً، كما وعدت ربي بـأن تكون كل القبور مثل بعضها، ولا وجود لأي فرق”.

وساهمت نشأة القريشي في عائلة تميل إلى المدرسة الصوفية التيجانية (إحدى الطرق الصوفية) في تكوين شخصيته التي تؤمن بالمساواة، ولا تفرق بين الناس من خلال جنسيتهم أو لونهم أو أي اعتبار آخر.

ومن خلال تشييد هذه المقبرة، يهدف الفنان الجزائري إلى توفير إمكانية ليتعرف أهالي المفقودين على ذويهم.

وتابع في هذا الصدد: “حتى إن تم التعرف على هوية 10 مهاجرين فقط من بين كامل قبور المهاجرين في هذه المقبرة، فهذا يعتبر شيء إيجابي”.

ومضى قائلاً: “أخي الكبير مات غرقاً في المتوسط منذ سنين، ولم نجد جثته إلى غاية اليوم، وحتى والدتي عندما كانت على فراش الموت قبل وفاتها عام 2011، كانت تسأل عنه”.

وأردف: “فراق الأم لابنها بوجود قبر أهون بكثير من الفراق بدون وجود أي قبر”.

ومن جانبه، أفاد المنجي سليم رئيس الهيئة المحلية للهلال الأحمر بمحافظة مدنين بأنه: “سيتم أخذ عينة من الحمض النووي لكل جثة مهاجر لكي نوفر إمكانية تعرف عائلته عليه”.

وأضاف سليم أن “عائلة ليبية تمكنت منذ أشهر من التعرف على جثتي ابنيهما في هذه المقبرة من خلال تحليل الحمض النووي”.

-اعلان-



فن وإنسانية

تكفل الفنان القريشي وحيداً بشراء الأرض وتشييد مقبرة المهاجرين من خلال عائدات أعماله التشكيلية.

وأوضح قائلاً: “لدينا الكثير من الأعمال المعروضة في العالم مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.

حيث أوصيت القائمين على بيع أعمالي في المعارض بتوفير المبلغ اللازم لضمان إيفائي بعقدي مع الله في بناء مقبرة لدفن المهاجرين بكرامة”.

وحول المزج بين عمله التشكيلي والجانب الإنساني قال القريشي “أفرق بين عملي كفنان تشكيلي وما أقوم به هنا.

سألني بعض أصدقائي هل ستقوم بعرض بعض من لوحاتك في المقبرة، فأجبتهم كيف لي أن أقوم بإشهار لنفسي في هذه المقبرة بعرض أعمالي هنا!”.

ومع تواصل وصول العشرات من جثث المهاجرين إلى سواحل مدينة جرجيس، يسعى رشيد القريشي إلى توسيع المقبرة.

-اعلان-



وبحسب منجي سليم، فإن “المقبرة تتسع لـ 500 قبر، وبها الآن 200 قبر فقط”.

وأفاد المسؤول التونسي بأنه “سنوياً تصل بين 150 و 200 جثة لمهاجرين غير نظاميين إلى السواحل الجنوبية للبلاد”.

وتعتبر السواحل التونسية نقطة عبور مهمة في شمال إفريقيا للمهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا.

حيث أرسل البحر خلال الأعوام الماضية مئات المهاجرين لسواحل تونس بعدما ماتوا غرقاً بالمتوسط.