أدى وجود موارد غاز شرق البحر المتوسط, والمعروفة باسم “إلدورادو” (أرض الذهب الأسطوري), إلى توترات كبيرة بين تركيا واليونان وفرنسا, ولا أحد منهم على استعداد للتخلي عن حلم الوصول إلى هذه الموارد القيمة.
إقرأ المزيد: تركيا تعثر على الغاز في البحر الأسود
في الأسابيع الأخيرة, تصاعد الخلاف حول التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط بين تركيا واليونان, في غضون ذلك, دخلت فرنسا المعركة على إمدادات الغاز في شرق البحر المتوسط, التي كانت في حاجة لها منذ عقود.
تركيا واليونان وقبرص من بين ثماني دول على الأقل تطالب بموارد الغاز الطبيعي الموجودة في شرق البحر المتوسط. حيث أن المواجهة بين أنقرة وباريس ليست حدثاً جديداً ولها جذورها في الماضي. بما في ذلك ساحة معارك مفتوحة بالوكالة في ليبيا وخلافات عميقة في مجال قضايا الناتو.
لكن الجدل هذه المرة يدور حول حصة موارد الغاز في شرق البحر المتوسط. وتقول فرنسا أن الوضع في شرق البحر المتوسط مقلق وأن على تركيا أن توقف التنقيب في المنطقة. حيث يقدر وجود ما يقرب من 2000 مليار متر مكعب من موارد الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وذكرت صحيفة لو بوينت الفرنسية أن “حقول الغاز في شرق البحر المتوسط أثارت دولا في المنطقة”. وأن تركيا تحاول الحصول على نصيبها من هذه الكعكة. حيث أنه منذ اكتشاف حقل غاز نوا في هذه المنطقة في عام 1999, تم اكتشاف العديد من الاحتياطيات الأخرى في المنطقة قبالة سواحل اسرائيل واليونان وقبرص ومصر وليبيا.
وكتبت لو بوينت: “هذه التربة غنية للغاية لدرجة أن المراقبين يسمونها ” النرويج الجديدة “. (كناية عن دولة النرويج التي صنعت ثروتها باستخدام غاز بحر الشمال).
وفقاً لـ Le Figaro, صرحت شركة Wood Mackenzie المتخصصة في مجال الطاقة في الشرق الأوسط, أنه يوجد ما يقرب من 1900 مليار متر مكعب من الغاز, أي ما يعادل 45 عاماً من الاستهلاك في فرنسا.
وعلى الرغم من أن معظم هذه الاحتياطيات لم يتم استخراجها بعد, إلا أن الأمل بمزيد من الاكتشافات في المنطقة أثار شهوة دول المنطقة, وعلى الأخص تركيا.
وأضافت الصحيفة الفرنسية أن تركيا تستورد 90٪ من غازها بشكل رئيسي من روسيا. لذلك تسعى للاستفادة من حقول الغاز الواقعة في شرق البحر المتوسط والبعيد عن مياهها الإقليمية.
كتبت صحيفة Le Point الفرنسية أيضاً أنه من المتوقع وجود مستقبل مشرق للغاز الطبيعي. بسبب وجود الاحتياطيات الضخمة عالمياً لهذه المادة. كما من المتوقع أن يزداد استخدام مصدر الطاقة هذا في السنوات المقبلة.
وأضافت الصحيفة أن استغلال موارد الغاز في شرق البحر المتوسط لا يخلو من المشاكل. حيث أن استخراج هذه الموارد الضخمة يتطلب استثمارات كبيرة.
تركيا بدأت في التنقيب بالفعل
مؤخراً, أعلنت تركيا رسمياً عن إطلاق مهمة Yavuz لبدء التنقيب عن الغاز في في مياه شرق البحر الأبيض المتوسط, حيث أعلنت وكالة الأنباء التركية الرسمية (الأناضول), أن تركيا – منذ فترة – تقوم عدد كبير من سفنها الحربية البحرية بدوريات في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط بالقرب من جزيرة كريت وجزيرة Rhodes. وستكون أنشطة المهمة الجديدة ممتدة من 18 أغسطس إلى 15 سبتمبر 2020 في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وسبق أن أفادت الأنباء, أن السفن الحربية اليونانية كانت تتحرك أيضاً في هذه المناطق. وأن القوات اليونانية جاهزة. وزاد الوجود العسكري للبلدين في المنطقة في الشهر الماضي, وحذرت اليونان تركيا عدة مرات في الأشهر الأخيرة من إرسال سفن إلى المنطقة للتنقيب عن الغاز الطبيعي.
في وقت سابق من يناير, أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيبدأ التنقيب عن الغاز في المنطقة المتفق عليها مع ليبيا “في أقرب وقت ممكن”.
يمكن أن يؤثر المشروع على مناطق جنوب جزيرة كريت, والتي يحتمل أن تكون غنية بالغاز الطبيعي. بالإضافة إلى ذلك, من وجهة نظر اليونان, يقع هذا المكان في ما يسمى “المنطقة الاقتصادية الخالصة للاتحاد الأوروبي”. ومع ذلك, وفقاً لتركيا, على الرغم من أن جزر مثل كريت لها مياه إقليمية, إلا أنها لا تحتوي على منطقة اقتصادية احتكارية.
وقد أعلن الاتحاد الأوروبي أن التنقيب التركي قبالة سواحل قبرص “غير قانوني”. في الواقع, مع هذا التصنيف, أنشأت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إطاراً قانونياً لفرض عقوبات محتملة ضد تركيا.
ودعا الاتحاد الأوروبي إلى وقف فوري للتنقيب التركي في شرق البحر المتوسط. حيث دعا جوزيف بوريل منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي تركيا إلى تعليق عمليات الحفر والتنقيب في شرق البحر المتوسط على الفور والدخول في محادثات.
مجازفة لا بد منها
من المشاكل الكبيرة التي تواجه تركيا, هي نقص موارد الطاقة. ولهذا دخلت شرق البحر المتوسط للوصول إلى هذه الموارد, وتقوم السفن التركية بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط منذ سنوات عديدة, اليونان وقبرص (الجزء اليوناني) من أبرز المعارضين لتركيا لعمليات التنقيب في شرق البحر المتوسط.
في غضون ذلك, تدعي أنقرة أن اليونان تنوي استغلال حصة كبيرة من البحر الأبيض المتوسط باستخدام السيطرة على عدة جزر قبالة سواحل تركيا. حيث قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن “لغة العقوبات والتهديدات” لا يمكن أن توقف البلاد عن التنقيب.
رد فرنسا على قيام تركيا بالتنقيب في البحر المتوسط
في غضون ذلك, شهدنا تصريحات انتقادية من قبل المسؤولين الفرنسيين ضد أنقرة فيما يتعلق بأعمالها في شرق البحر المتوسط. غرد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون, مشيراً إلى أن قرارات تركيا الأحادية الجانب للتنقيب عن النفط والغاز ستخلق توترات. ويجب أن تنتهي هذه الإجراءات من أجل إجراء محادثات سلمية بين الدول المجاورة وحلفاء الناتو. كما أعلن قراره على العمل مع الشركاء الأوروبيين, بما في ذلك اليونان, لتعزيز الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة.
وأبلغ ماكرون أيضا مؤتمرا صحفيا أنه في محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء اليوناني, أعرب عن قلقه بشأن ما وصفه بقرارات تركيا الأحادية الجانب بشأن التنقيب عن النفط في المياه المتنازع عليها ودعا إلى وقف المحادثات.
كما دعا الرئيس الفرنسي, الذي يحاول القيام بدور الوسيط بين تركيا واليونان, لكنه لا يستطيع أن يغض الطرف عن موارد الغاز الغنية في شرق البحر المتوسط, تركيا واليونان إلى العمل معاً أكثر لتخفيف التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط. وفي هذا السياق, أجرت البحرية الفرنسية واليونانية تدريبات مشتركة. في المقابل, فجاء رد الرئيس التركي على أن تركيا لن تترك حتى أقل هجوم على السفن التركية في شرق البحر المتوسط دون رد.
ألمانيا تتدخل لتهدئة التوترات بين الطرفين
وسط إعلانات عن تعزيزات عسكرية فرنسية في شرق البحر المتوسط والدعم الفرنسي لليونان, الأمر الذي أدى بطريقة ما إلى تفاقم هذه التوترات, تحاول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التوسط بين البلدين الجارين.
حيث كتبت دويتشه فيله أن التوترات بين اليونان وتركيا تشكل مصدر قلق كبير للأوروبيين. وتسعى ألمانيا, وهي إحدى أقوى الدول في الاتحاد الأوروبي, والتي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد, للتوسط بين اليونان وتركيا, وهما دولتان متجاورتان وعضوان في حلف شمال الأطلسي.
لكن هذه ليست المرة الأولى التي تتوسط فيها ميركل بين اليونان وتركيا. وبحسب وزير الدفاع الألماني, فإن ميركل تريد منع الحرب في أوروبا من خلال الوساطة بين اليونان وتركيا.
وذكرت وكالة أنباء الأناضول أن ميركل وأردوغان أكدا في اتصال هاتفي على ضرورة حل النزاعات في شرق البحر المتوسط من خلال المشاورات وبما يتفق مع القانون الدولي.
ومع ذلك, قد تكون وساطة برلين غير فعالة, حيث حذر وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في محادثة هاتفية استمرت 24 ساعة بين قادة ألمان وأتراك خلال زيارة لسويسرا, أن على فرنسا الامتناع عن التوترات في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. وقال “يجب على فرنسا الامتناع عن التوترات, فهم لن يذهبوا إلى أي مكان مع التنمر في ليبيا أو في شمال شرق سوريا أو العراق أو البحر المتوسط”.